القوة الخفية لتغيير المجتمع بقلم الكاتبة / سحر السلاموني

تشكل الثقافة قوة عظمى تصنع ما لا تصنعه البنادق، فهي أقوى حتى من السياسة والسلاح لدورها الفعّال في توجيه فكر وسلوك الأفراد. يتحرك المجتمع بكتلة حرجة من المثقفين يُطلق عليها “القوى الناعمة”، حين صاغ المفكر الأمريكي جوزيف ناي هذا المصطلح ووضح أن هذه القوة تختلف كليًا عن القوة الصلبة (القوة العسكرية – الاقتصادية)، لأنها تعتمد في المقام الأول على الإقناع والجاذبية بدلاً من الضغط والتهديد.فكيف نُعرّف مصطلح “القوى الناعمة”؟يمكننا القول إنها الدبلوماسية الناعمة، فهي قدرة دولة أو جهة معينة على استخدام أدوات مثل السينما والموسيقى والإعلام والأدب بفروعه في التأثير على سلوك الآخرين دون الحاجة إلى استعمال القوة أو الإكراه، من خلال التأثير الثقافي.على سبيل المثال لا الحصر، تلعب الدراما التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا متزايدًا في تشكيل وتوجيه الرأي العام، فهي من أقوى أدوات القوى الناعمة في العصر الحديث، وتُعد من أقوى وأسرع أسلحة حروب الجيل الخامس.فالدراما من خلال القصص والشخصيات والمواقف والأحداث، تساهم في ترسيخ أو تغيير القيم أو إثارة التساؤلات حولها، كما تُلقي الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية حساسة بأسلوب يؤثر في وعي المشاهد ومواقفه.أما وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تحولت إلى منصات مفتوحة للنقاش والتعبئة والحشد، وأصبحت قادرة على التأثير في مواقف وقرارات الأفراد واتجاهاتهم في زمن قياسي، من خلال الحملات التوعوية أو التضليل، وإثارة الفتن، ونشر الشائعات.تتمثل قوة التأثير في الجمع بين المشاعر العاطفية وسرعة التأثير، إذ تُحفّز الدراما وتُأجّج العواطف وتخلق ارتباطًا وجدانيًا بالقضايا، وتُعزّز السوشيال ميديا هذا التأثير بالتفاعل اللحظي والانتشار الواسع، سواء باستخدام الذكاء الاصطناعي أو اللجان الممولة.كما تُنتج الدراما شخصيات ورموزًا مؤثرة يتبناها الجمهور ويدافع عن المبادئ والقيم التي اقتنع بها، وقد لا تتناسب مع قيم المجتمع الدينية والأخلاقية، مما يُشكل خطرًا على تغيير القناعات في اللاوعي الإنساني. وباستخدام ذلك، يتم هدم المبادئ أو تقويضها أو التنصل منها بحجة التنوير، ويُظهرون الإنسانية على أنها ضعف شخصية، ويُظهر الاحتيال على أنه سلوك حسن يرفع قدر من يتبناه، وأن المال غاية وليس وسيلة، فيعتنق المشاهد النظرية الميكيافيلية بأن كل الوسائل مباحة طالما توصلك إلى غايتك، وليس في المال وحده.ولذلك أصبح من الضروري أن تتولى القوى الناعمة مسؤوليتها المجتمعية ودورها داخليًا، لأنها الأقرب لرجل الشارع، وتستطيع تصحيح المفاهيم المغلوطة وإعادة توجيه بوصلة المجتمع.أما خارج الوطن، فهم سفراء لوطنهم بما يُقدمونه للعالم من روايات وأفلام وموسيقى. فـالوعي الحقيقي ليس مجرد معرفة بل تمسك واع بالهوية الوطنية و الثقافية .

أضف تعليق