بعض الأمثلة علي وجود الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية
فمنها اعجاز الله للبشر في خلق الكون ، فإنّ من أعظم مظاهر قدرة الله -تعالى- هو خلق السماء، فالمُتمعِّن في خلق السماوات يُدرك عظمة إعجاز الله -تعالى- في رَفعِها بغير أعمدة، وقد أعلاها في الهواء بارتفاعٍ هائل يصعب الوصول إليها، وجعلها مستويةً لا ميلَ فيها ولا اعوجاج، وميّزها بإضاءتها في وضح النهار من ضوء الشمس، وظلمتها وعتمتها في الليل، قال -تعالى-: ( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33). سورة النازعات .
ومن أمثلة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم – أيضا –
نشأة الكون ، الماء والحياة ، الفرث والدم في علم تشريح الأنسجة ، انخفاض نسبة الأكسجين عند الصعود إلى الأعلى نحو السماء ، الظلمات المتعددة في أعماق البحار السحيقة والأمواج التي تغشاها ، الموج البحري ومن فوقه موج آخر ، طبيعة الجبال كالأوتاد في علم الجيولوجيا ، الرياح والتلقيح والمطر .
ومن الحقائق العلمية التي أثبتها العلم الحديث ولا يزال يثبتها يومًا بعد يوم، من ذلك ما جاء في قوله تعالى:{ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} (الحجر:14-15).وقد وردت هاتان الآيتان الكريمتان في سياق الحديث عن عناد ومكابرة كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم لما جاءهم به من البينات والهدى.وتمثل هاتان الآيتان نموذجاً صارخاً لمكابرة أهل الباطل وعنادهم في مواجهة الحق؛ إذ إنهم حتى لو فتح الله تعالى عليهم بابًا من السماء، وأعانهم على الاستمرار بالعروج فيه بأجسادهم، كي يطَّلعوا ويقفوا على بديع صُنع الله سبحانه، وعظيم قدرته في إبداع خلقه..لشكوا في تلك الرؤية المباشرة، ولكذبوا أبصارهم وعقولهم، ولاتهموا أنفسهم بالعجز التام عن الرؤية، ولخُيِّل إليهم أنهم في حالة من السحر!! كل ذلك محاولة منهم لإنكار الحق من فَرَط مكابرتهم وتكبرهم وعنادهم.
ونريد الوقوف على بعض ملامح من وجوه الإعجاز العلمي في هاتين الآيتين الكريمتين،وأول مَلْمَحٍ إعجازي علمي في الآية الأولى، قوله تعالى: {بابا من السماء} فقد أثبت العلم بما لا يدع مجالاً للشك أن السماء ليست فراغًا، كما كان يعتقد الناس إلى عهد قريب، بل هي بناء محكم، لا يمكن ولوجه إلا عن طريق باب يُفتح يتم الدخول منه. وإلى سنوات قريبة، لم يكن في علم أحد من الناس أن السماء -على اتساعها- ليست فراغًا، ولكنها مليئة بالمادة على هيئة رقيقة للغاية، تشكلها غازات مخلخلة، يغلب على تركيبها غازا الإيدروجين والهليوم، وقليل من الأوكسجين والنيتروجين، وبخار الماء، والنيون، مع انتشار هائل للأشعات الكونية بمختلف صورها.ويعود السبب الرئيس في تصور أن الكون فراغ تام هو التناقص التدريجي لضغط الغلاف الغازي للأرض مع الارتفاع عن سطحها، حتى لا يكاد يُدرك بعد ألف كيلو متر فوق سطح البحر.وكما سبق القول، فقد أثبت العلم مؤخرًا أن السماء بناء محكم، تملأه المادة والطاقة، ولا يمكن اختراقه إلا عن طريق أبواب تفتح، وهذا ما ذكره القرآن من خلال الآية التي نحن بصدد الحديث عنها، وغيرها من الآيات، وفي هذا شهادة على صدق هذا القرآن، وأنه تنـزيل من رب العالمين، وأن كل ما في الكون {صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون} (النمل:88).
وثاني ملمح علمي إعجازي في هذه الآية يتجلى في قوله تعالى: {فظلوا فيه يعرجون} و(العروج) لغة: سير الجسم في خط منعطف منحنٍ، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن حركة الأجسام في الكون لا يمكن أن تكون في خطوط مستقيمة، بل لا بد لها من التعرج والانحناء، نظرًا لانتشار المادة والطاقة في كل الكون. فأي جسم مادي -مهما عظمت كتلته أو تضاءلت- لا يمكنه التحرك في الكون إلا وَفْقَ خطوط منحنية.وقد أصبح من الثابت علميًّا أن كل جرم متحرك في السماء -مهما كانت كتلته- محكوم بكلٍ من قوى الجذب والطرد المؤثرة فيه، وهذا ما يصفه القرآن الكريم بالعروج. ولولا معرفة حقيقة عروج الأجسام في السماء لما تمكن الإنسان من إطلاق الأقمار الصناعية، ولا استطاع كذلك ريادة الفضاء.
وبيان ذلك أن حركة أي جسم مندفع من الأرض إلى السماء لا بد وأن تكون في خطوط منحنية، وذلك تأثيراً بكل من الجاذبية الأرضية، والقوى الدافعة له إلى السماء، وكلتاهما تعتمد على كتلة الجسم المتحرك، وعندما تتكافأ هاتان القوتان المتعارضتان يبدأ الجسم في الدوران في مدار حول الأرض مدفوعًا بسرعة أفقية تُعرف باسم “سرعة التحرك الزاوي” أو”سرعة العروج”.
وهذا التوازن الدقيق الذي أوجده الخالق سبحانه بين كل من قوى الجاذبية والقوى الدافعة الناتجة عن عملية الفتق هو الذي حدد المدارات التي تتحرك فيها كل أجرام السماء، والسرعات التي تجري بها في تلك المدارات التي يدور بها كل منها حول محوره.ولما كانت الجاذبية الأرضية تتناقص بزيادة الارتفاع عن سطح الأرض، فإن سرعة الجسم المرفوع إلى الفضاء تتغير بتغير ارتفاعه فوق سطح ذلك الكوكب، وبضبط العلاقة بين قوة جذب الأرض للجسم المنطلق منها إلى الفضاء والقوة الدافعة لذلك الجسم أي: (سرعته) يمكن ضبط المستوى الذي يدور فيه الجسم حول الأرض، أو حول غيرهما من أجرام المجموعة الشمسية أو حتى إرساله إلى خارج المجموعة الشمسية، ليدخل في نطاق جرم أكبر يدور في فلكه.وأقل سرعة يمكن التغلب بها على الجاذبية الأرضية في إطلاق جرم من فوق سطحها إلى فسحة الكون تسمى “سرعة الإفلات من الجاذبية الأرضية” ولها حساب تُعرف به.وقد وصف القرآن الكريم عروج الأجسام في السماء في مواضع من القرآن -غير الآية التي بين أيدينا- منها:- قوله جل وعلا: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} (سـبأ:2).- وقوله تعالى: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} (السجدة:5).- وقوله عز وجل: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون} (الزخرف:33).- وقوله سبحانه: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} (المعارج:4) .
ومنها الإعجاز العلمي في ( الفرث والدم ) فقد أثبت العلم بعد تطوّر الأجهزة العلميّة أنّ اللّبن في ضرع الأنثى يتكوّن بعد عمليّة هضم الطعام، حيث تجري مكوّناته في الجسم مع مجرى الدّم حتّى تصل إلى الغدد اللّبنية، فتقوم الغدد بأخذ هذه المكونات صافيةً دون أن تختلط بالدّم، ثمّ تضيف الحويصلات مادّة السُّكر ليصبح طعمه سائغاً مقبولاً، قال الله -تعالى: (وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبينَ).سورة النحل / الآية 66.
الإعجاز العلمي في ( وجود الحديد )
أنزل الله -تعالى- الحديد من السّماء بدليل قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)،سورة الحديد/ الآية 18، ولمّا بدأ العلماء بالبحث عن كيفيّة وجود الحديد توصّلوا إلى أنّ الكون يتكوّن بما نسبته ثمانٍ وتسعين بالمئة من الهيدروجين والهيليومن وهما أخفّ العناصر، أمّا الاثنين بالمئة المتبقّية فتُشكّل مئة وخمسة من العناصر، وهي العناصر الثقيلة، ممّا دفعهم للوصول إلى أنّ العناصر الثّقيلة تتكوّن عن طريق حدوث الاندماج النّووي والذي يُصاحبه طاقة هائلة، فالنّجوم مثلاً تصل حرارتها إلى ثلاثمئة ألف مليون درجة، وهذه الحرارة تُعدّ بيئةً مناسبة لتكَوّن الحديد، فإذا وصل الحديد ما نسبته خمسين بالمئة من كتلة النّجم، وأصبح قلب النّجم كلّه حديد أدّى ذلك إلى انفجار النّجم وتناثُر أشلائه في الكون، فتدخل في مجال جاذبيّة الأجرام السماويّة الأخرى التي تحتاج إلى هذا الحديد.
وعلى الجانب الآخر يأتي الإعجاز العلمي في السنة النبوية، وهو مصطلح مرادف لإعجاز القرآن فيشير هذا المصطلح إلى الإشارات العلمية الواردة في السنة النبوية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فتلك الأحاديث تعود إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة، و قد قيلت في بيئة بدائية لا تملك مفاتيح العلم والمعرفة، بالإضافة إلى أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان أُميا، لذلك فإن اشتمال أحاديث وكلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وسنته على أمور علمية أُثبتت صحتها عن طريق وسائل العلوم الحديثة يُستدل به على أن المصدر الوحيد لما جاء به محمد من تعاليم هو الوحي الإلهي.
ويعتمدُ العلماء المسلمين المهتمين بقضية الإعجاز العلمي في السنة النبوية عدة ضوابط منها: اختيار الأحاديث المحتوية على إشارات إلى الكون ومكوناته وظواهره، والتثبُّت من معرفة درجة الحديث، واستبعاد كل الأحاديث الموضوعة.
وكذلك جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد؛ لأن بعضها يفسر بعض.
وفهم النص أو النصوص النبوية وفق دلالات الألفاظ في اللغة العربية، ووفق قواعدها.
وفهم النص النبوي في ضوء سياقه وملابساته، وفهمه في القرآن الكريم؛ لأن أحاديث رسول الله شارحة لكتاب الله، ومبيِّنة لدلالات آياته. كما أنه ينبغي ألاَّ يُؤَوَّل حديث للنبي لإثبات نظرية علمية تحتمل الشكَّ والصواب، ولكن يجب التعامل فقط مع الحقائق العلمية الثابتة التي أجمع علماء الأمور العلمية علي ثباتها وتحقيقها.
وهناك العديد من الأمثلة على الإعجاز العلمي الوارد ذكرها في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك ما يأتي:
تكوّن الجنين في الرحم بيّنت الأحاديث النبوية مراحل تكوّن الجنين، فبيّنت كيف تكون النطفة الذكريّة، وأنّ أصل الإنسان جزءٌ يسير من المني، ووضّحت بعد ذلك الفرق بين المُضغة المخلّقة؛ وهي المني إذا استقر في الرّحم، والنطفة غير المُخلّقة؛ وهي جزء المني الذي يسقط من الرحم ولا يستقر ، كما بيّنت السُّنة أن مراحل خلق الجنين في رحم أمه يكون كما يأتي: نُطفة، ثم علقة، ثم مُضغة، ثم يُرسل ملكًا إليه فينفخ فيه الروح ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يوماً ثمَّ يَكونُ في ذلك عَلقةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يَكونُ مضغةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يرسلُ الملَكُ فينفخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربع كلِماتٍ: بكَتبِ رزقِهُ وأجلِهُ وعملِهُ وشقيٌّ أو سعيدٌ).
الاعجاز العلمي في ( الذباب ) فهو يحمل الداء والدواء ، وبيّنت السنة النبوية أنّ الذباب إذا وصل إلى أكل الإنسان أو شرابه، فعليه أن يغمس الذُّبابة كلها في الإناء؛ ليُبْطل الدواء فعل الداء، وقد بيّنت الدراسات الحديثة أنّ الذُّباب يحمل في أحد جناحيه بكتيريا، والعلاج أو المضاد لهذه البكتيريا يحتوي عليه الجناح الثاني للذبابة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا وقَع الذُباب في شراب أحدكم، فليغمِسه ثم لينزعه، فإنّ في إحدى جَناحَيه داءً والأخرى شِفاءً).
الاعجاز العلمي في (عدد المفاصل في جسم الإنسان ) ورد في حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ مفاصل الإنسان تبلغ ثلاثمئة وستون مفصل، وأثبت العلم الحديث أنّ عدد مفاصل الإنسان يبلغ هذا العدد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنسانٍ مِنْ بني آدمَ علَى ستينَ وثلاثَمائةِ مِفْصَلٍ) .
هذه بعض جوانب وملامح من صور الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وقفنا عليها من خلال الجمع بين دلالات القرآن والسنة وبين مكتشفات العلم التجريبي ونظريات العلماء لتثبت لنا أن القرآن الكريم نازل من عند الله تعالى ، وأنه وحى الله إلي سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والله أعلم..