ثمن الوفاء بقلم الكاتب /محمد محمود عبد الواحد

في ليلةٍ حالكة الظلام، تسلّل ذئب إلى إحدى القرى التي اشتهرت بين نظيراتها بقدرة أهلها الفائقة على تربية الحيوانات الأليفة، من بقر وجاموس وماعز وأغنام.كان ذلك الذئب مولعًا بلحم الخراف، وقد تمكّن في مراتٍ سابقة من افتراس بعضها ببراعة لا تخطئها العين، إذ كان سكان القرية غالبًا ما ينشغلون بأمورهم، جالسين في المقاهي لمشاهدة الأفلام، ولعب الطاولة، والاستماع إلى الأغاني، ولا سيما في الليالي التي يغيب فيها القمر، حيث يهربون من صمت الظلام إلى ضجيج السمر، ومن وحدة الفراغ إلى زحام اللقاءات.كانت الحياة في هذه القرية بالغة البساطة، إذ تتشابه الأيام فيها بشكلٍ يكاد يكون مملًّا؛ فالنهار مخصص لرعي الغنم أو الأبقار أو الجاموس، أما الليل، فيتوزع الناس فيه بين الجلوس في المقاهي أو أمام الدور، أو البقاء في المنازل، ولكلٍّ سلوكه ودوافعه.أما أنا وصديقي علي، فكنا نفضل الجلوس بجوار الترعة، نفترش الأرض، ونشعل مصباحًا صغيرًا أو بعض أعواد الحطب، مستمتعين بنسيم الليل العليل حتى منتصفه، ثم يعود كلٌّ منا إلى بيته. وكان من عاداتنا ألا نغفو قبل أن نطمئن على حيواناتنا، فهي أغلى ما نملك.وفي تلك الليلة، بعد أن عدت إلى منزلي وتناولت العشاء، ثم دخلت إلى غرفة نومي، إذا بي أسمع صوتًا غريبًا لم أعهده من قبل.نهضت وتفقدت أرجاء المنزل، فلم أجد ما يثير الريبة.توجهت إلى الحظيرة، فوجدت قطيع الغنم يتحرك بقلقٍ ظاهر، فأدركت أن هناك ما أفزعهم.عدت إلى الغرفة، وأحضرت بندقيتي تحسبًا لأي طارئ، فأنا لا أعلم من القادم، ولا ما الذي يرغب فيه مني… أو من غنمي.عدت مسرعًا إلى الحظيرة، وتفقدت الأغنام فوجدتها جميعًا بخير، فحمدت الله، وجلست إلى جوار أحد الأعمدة أراقب المكان في صمتٍ مطبق.ثم لفت نظري خروفٌ قوي البنية، له قرنان بارزان، يغطيه صوف أبيض ناصع، وقد وقف بثبات وتحفّز، وكأنه يشارك في حراسة المكان.تأملت في وقفته الشجاعة، واسترجعت في ذهني رحلته منذ ولادته وحتى هذا اليوم، فقد ربيته صغيرًا، وكان دائمًا مختلفًا عن بقية الخراف.وبينما أنا كذلك، شعرت بحركة غريبة تقترب من باب الحظيرة.رفعت بندقيتي، وإذا بالذئب يحاول التسلل إلى الداخل.أطلقت عليه النار، ففرّ هاربًا، فخرجت خلفه مطلقًا أعيرة نارية في الهواء، حتى اجتمع أهل القرية، وطاردناه جميعًا، إلى أن تمكّنوا من قتله.عاد الناس إلى بيوتهم مبتهجين بالقضاء على الذئب اللص، وفي صباح اليوم التالي، توافد أهالي القرية إلى منزلي مهنئين بنجاة أغنامي، وشاكرين لثباتي.فما كان مني، وقد غمرني الامتنان لوقوفهم إلى جانبي، إلا أن ذبحت الخروف الأبيض نفسه، وقدّمته لهم وليمة ابتهاجًا وشكرًا.

أضف تعليق