نظر إلى حذائه المهترئ بيأس، وزفر زفرة طويلة وهو يعلم أنهم ليسوا قادرين على شراء حذاء جديد. لكنه تذكر كلمات والدته دائمًا: “أمر الله ليس به شر، والصبر هو خير دواء”. رفع نظره قليلًا ونظر إلى ملامح والدته المتعبة، وتأمل ابتسامتها الجميلة التي لم تفارقها في أحلك الظروف. يعلم جيدًا ما فعلته من أجله، ويعي أنها فعلت كل هذا بحب وعطف جمّ.نظر إلى ثوبها الذي يزداد جمالًا بها فقط، فكانت كلما ظهر ثقب رتقته برفق وبحرفية كبيرة. لكنه يرى ما تركته السنين، ليس فقط في ثوبها، بل في روح تلك الجميلة التي أهلكتها السنين. اليوم، هو رجل، ويستطيع أن يوفر لها كل ما تحتاج، فقط عليه أن ينتظر ظهور النتيجة النهائية لمسابقة التعيين في أحد المناصب المرموقة. فقد تقدم لشغل هذه الوظيفة، وهو يعمل في المساء في ورشة بعيدة عن منزله كثيرًا، لكنه يعمل بها ليلًا، وفي الصباح يذهب إلى الجامعة دون كلل.في الصباح، ظهرت نتيجة المسابقة، وتبين أنه الأول على دفعته، وسيتم تعيينه فورًا في منصبه الجديد. لم تسع غرفته سعادته، فخرج يبحث عن والدته وشريكة نجاحه، فوجد حذاءه الجديد على الطاولة، وبجواره بدلة جديدة، وابتسامة لم تفارقها منذ سماع النبأ السعيد.”صغيري كبر اليوم، وأصبح الرجل الذي تمنيت أن يكون”، مرّ شريط ذكرياتها معه منذ اللحظة الأولى التي شعرت فيها بوجوده في أحشائها. احتضنته بحب وعطف، صغيرها أصبح الآن طويلًا، ولا تطال حتى رقبته، لكنه يدنو منها مقبلًا يديها المتعبتين.اليوم، يقف أمام الجموع في حفل تكريم ضخم، يحضره الجميع، لكن ما ميّزه هو وجود جنتيه معًا: والدته وزوجته الغاليتين. وفي وسط الجمع المهيب، وقف شامخًا، مزهوًّا بما حوله، وذكر كلمات أمه الرقيقة أمام الجميع، وذهب إليها مباشرة وقال:”كنت لا شيء دونها، واليوم أنا هنا بينكم، فخورًا بما فعلته من أجلي. افتخروا بجهد أمهاتكم، فلولاهن ما كنا، ولا سنكون، فالرجال صنيعة أمهاتهم، ولي الفخر أن ربتني يدا أمي”.
