رمضان رسلان
يعد “هنري دي كاسترى” واحدا من أبرز المستشرقين المعاصرين فى فرنسا ولد عام 1954م، وقد عاش بين الجزائريين زمنا طوبلا، إذ كان مقدمًا فى الجيش الفرنسى، ولعل اهتمامه بالإسلام وحضارته جاء من خلال معايشته ومطالعته لأحوال المسلمين فى الجزائر على وجه التحديد، ونجده فيقول:”أنا عاشرت العرب أزمانا طوالًا، واشتغلت كثيرا بمعرفة حقيقة طباع الشرقيين، ومذهبى مستعربى الجزائر”. وهذا الأمر يدل على أن كتابته عن الإسلام وحضارتهم إنما جاءت بفعل المعايشة الحقيقية لواقع حياة المسلمين ومن هنا فهو ممن تحرى الموضوعية فى الحكم على تعاليم الدين الإسلامى بإلانصاف وبعيدا عن الهوى والذاتية.
يدل على ما سبق ذكره آنفا أن “هنرى دي كاسترى” ذكر فى كتابه (الإسلام: خواطر وسوانح) أنه ذات يوم كان يسير مع مجموعة من مسلمى الجزائر فى الصحراء وإذا بهؤلاء يترجلوا عن فرسانهم لأن الصلاة قد حان وقتها ومن ثم أداء هذه الفريضة، وقد ترك هذا الموقف فى نفس دى كاسترى تأثيرًا عظيمًا جعله يفكر بشكل عميق فى الدين الإسلامى، والذى لا شك فيه أنه كانت لديه رؤى مغايرة تماما لما لاحظه فى فعل هؤلاء الفرسان، وإذ نجده يعبر عن إعجابه بمنظر أولئك القوم فى نظامهم لصلاتهم بملابسهم، والخيل بجانبهم أرسانها على الأرض، وهى هادئة كأنها خاشعة للصلاة، تلك هى الخيل التى كان يحبها النبى(ﷺ)”.
بعد عودته – هنرى دي كاسترى – إلى مكان راحته فإذا به يكتب ما علق بذهنه من خواطر احسها من هذا الموقف، فعلى سبيل المثال نجده يقول:” أحسست أننى منجذب بحلاوة الإسلام، كأنها أول مرة شاهدت فى الصحراء قوما يعبدون خالق الأكوان، وتذكرت خيام النصارى، حيث لا متعبد فيها غير النساء، وأخذنى الغضب من كفر أبناء الغرب وقلة إيمانهم”.
وقد بدى لـ كاسترى أن ما كتبه وما يكتبه الغربيين عن الإسلام وقيمه ليس هو الحقيقة التى رآها بعينه وعاشها بجسده، فمن هنا كانت كتاباته وخواطره عن الإسلام صادقة، ويقول فى ذلك:”وصرت أكتب فى الإسلام، غير شاعر بما يخطه القلم طوع الفؤاد”. وهذا خلافًا لما كان رائج عن الدين الإسلامى أبان العصور الوسطى من أن كتابات المؤرخين والباحثين الغربيين عنه – الإسلام- كانت محشوة على حد قوله – هنرى دى كاسترى – بالأقاصيص الخرافية ومملؤة بالطعن والشتائم فى نبى المسلمين، وهذا الأمر جعله يبين الصورة الحقيقية للدين الإسلامى فى الغرب على وجه الدقة ذلك الذى صور دين الإسلام على غير الحقيقة التى هو عليها. ويدل على ذلك قوله: “إن غاية ما يرمي إليه هو إِطْلاعُ مواطنيه على صورةٍ صحيحة للإسلام حتى يحاطوا بأصدقِ المعلومات عن العقيدة التي يعتنقُها بعض رعاياهم في القارَّة الإفريقية؛ مما يسهل لهم التفاهمَ معهم والسيطرة عليهم”.
وتبدو حقيقة نشر الدين الإسلامى لدى “هنرى دى كاسترى” أنه لم ينتشر بالعنف والقوة كما يتصور، بل الأقرب للصواب على حد قوله:أن كثرة مسالمة المسلمين، ولين جانبهم، وهذا إنما يدلل على سماحة تعاليم الإسلام الذى كان يدعو الناس إليه بالموعظة الحسنة، وهذا الذى مكًن المسلمين أبان فتوحاتهم التى بلغت أوروبا. إذ يتبين من ذلك أن من تعاليم الإسلام السماحة والسلم.