ديوان وليد علاء الدين “أيها الموت العظيم”..تأويل لمتون تأمليّة ترصد نقشاً أزليّاً بالحرف واللون على جدار الروح بقلم/ عبدالعليم حريص كاتب مصري مقيم بالإمارات

تشكل تجربة وليد علاء الدين (الشعرية) حالة من التأويلات المفعمة بالأخيلة والقلق الأزلي، والتأملات الوجودية والإيمانية.. ما يجعلنا نقرّ بأننا في حضرة (حلّاج) جديد، يمتلك ناصية الكلم منذ اللحظة الأولى، وحتى آخر حرف.. جاء ختام أول نصوصه مدويّاً: ما كنت أعني بالدم سوى رحيق وردة، ولم أكُ أعني اقتلوا.. وآخر حروفه النازفة في ديوانه أيها الموت العظيم: هل علمت الآن لماذا أهدروا دمك..!إذن فنحن في رحاب رحلة قسرية عبر الزمكان، بوصلتها دماء الوليد بن علاء الدين، المنسابة عبر صفحات ديوانه إما شعراً وإما رسماً، من خلال لوحاته الفنية التي أعطت للصورة الشعرية اكتمالها في أفق الغيب، ومنحتها دماء الحياة الأبدية في مخيلة المتلقي والكاتب معاً. هذا النزف الدائم طوال الديوان، يشي بمعاناة صاحبه المعلق على جدار خيمة بادية الوحي..فشاعرية وليد علاء الدين، حالة مغايرة من حيث التراكيب والصور والأخيلة، فقد عمد في تباريح ديوانه أيها الموت العظيم – الصادر حديثاً عن مجموعة بيت الحكمة للثقافة، بجمهورية مصر العربية، جاء الديوان في 155 صفحة من القطع المتوسط، “ورسوم وغلاف الديوان”، مختارات من أعماله – إلى التلميح لا التصريح، وهذا هو جوهر الأدب ورسالته، منذ أن عرفت البشرية طريقها إلى الإبداع الإنساني، فما بالنا بالشعر الذي بخاطب الوجدان والعاطفة، ويستفز العقل، ليتخلى قليلاً عن قيوده ومنطقته للأشياء.. ليبحر معنا في عوالم من فضاء مفتوح وسقوط حرّ على مكنونات النفس الباحثة عن الأمل في آتون الأمل، وتجليات الروح المسافرة عبر برزخ الحلم المتواري في بحار الغيوب وزمن السديم الأقصى للمكان والزمان.فمع الشعر تتحد بوصلة الأشياء نحو أفق مجرة اللاوعي، فلكل شاهد من شواهد الوجود، (ظاهر ومضمر) فالظاهر هو رأس جبل الجليد العائم، في المحيط الكوني، أما المضمر أو المستتر فهو الجبل الأكبر الذي لا يرى.. وبالتالي فإن (المستتر) يمثل جوهر الحقيقة الوجودية، فيما يعبر (الظاهر) عن الإشارات والبوارق واللوامع. ولكي نهتدي إلى تلكم الإشارات التي أضاءها (علاء الدين) بمصباحه الشعري، علينا أن نعيد قراءة نصوصه كثيراً؛ لنلمح ذلك (الصوفي) المتدثر بألوان (قوس قزح) من خلال نصوصه وتجسيداته الفنية، ويّ كأني لا أزعج (النقاد) حينما أستعرض نصّاً من نصوص ديوانه، كإضاءة انطباعية: ليس كمثله شيء.. فالمفارقة التي يحدثها (العنوان) تحدو بك إلى تأمله قبل الحكم عليه، حيث يقول:ليس كمثله شيء، بديهي أن يكون الأمر كذلكفلا مجال للتطابق في هذه الحياة، لا شيء يماثل شيئاً حتى في المرآة.ثمة خدعة دائماً، وربما خديعة.هل تماثل الخدعة الخديعة؟أم أن ادعاء تطابقهما امتداد للعبة نفسها؟ليس كمثله شيء..(يوسف) يسألني مساء أمس مستعرضاً – كعادته – هل تعرف أنه لا ظل للنار؟أخذتني الصورة، تخيلت اللهب ذاتاً من حقها أن تنعكس فترى ظلها، إذا داعبها نور..قلت: ماذا لو سلطنا ضوءاً على لهب يتراقص؟قالت أمي: اللهب نور..وهكذا عبر وليد عن إرهاصات فكرية فلسفية، لطالما قضت مضجع كبار الفلاسفة والمتصوفين كمحي الدين بن عربي حينما تساءل في إحدى نصوصه:ماعليه من نارها فهو نور هكذا النور مخمد النيــــــرانيا خليلي عرجا بعنـاني لأرى رسم دارها بعيــــــــــانيولكن خليليّ (وليد) كانا الابن (يوسف) والذي يمثل الامتداد والأمل.. والأم، والتي ترمز إلى الأصل والجذر، الذي ارتوى منه شاعرنا مشاربه، ومقاصده، فما بين الامتداد والجذر، يرواح صاحبنا، في ديمومة القلق الأزلي.وأغلب ظني فإن جلّ نص من نصوصه – ال22 نصاً من أول “عندما نتحدث عن السماء” وحتى الأخير “كهانة” – إنما هو نص مفتوح على كل الاحتمالات والانزياحات والتجليات الماورائية، كونها حالة إنسانية تتكرر عبر كل العصور، وتكثف نكبات الحياة المتوالية، والسائدة في تاريخ هؤلاء المهمشين على خريطة الآني، الذين لاذوا بالفرار عن طوفان الرغبات والتطلعات المتعارف عليها في محيطنا التوسعي، واختاروا مساحة ضيقة يطلّون منها على عوالم من النقاء والطمأنينة، والتخلي؛ ليدركوا معنى (التجلي) كما وصفهم جلال الدين الرومي.فوليد علاء الدين، يضعنا من خلال نصوصه المتناثرة عبر صفحاته وتلويناته في حالة من التغريب والاستلاب، لا نجد لها خلاصاً مع أشقياء (الناسوت)، تلك هي المعادلة المستمرة، على هذا النحو الاندهاشي، في كل التاريخ البشري، بصدق غرائبه.. وسقوطه العبثي.فنحن أمام تجربة ثرية تجوب بنا أفق النفس؛ للتواصل مع ذات باحثة عن موئل الحرية، مثقلة بإرهاصات القادم، وأخيلة لنظائر تترى، تتبدى كطيوف تتماهى في (مرآة وليد علاء الدين) راصدة تحولات وإرهاصات وتأويلات لمتون أدبية بدون تقعيرات لغوية، لا طائل من بسطها في نصه الأسلوبي.. الذي يميزه كبصمة قلّما تتكرر.غير أنه وبمحض إرادته.. فرّق دمه بين قبائل الحرف واللون.. دون أن يؤمّن لقصائده (ديّة) لهذا الهدر الاختياري. بيد أنه حري بنا أن نمنحه مساحة (شبرين) من فضاء الروح، ليسكن فيهما جسده المنهك، وتظل روحه هائمة في عوالم متعددة، تحكي قصة (الوليد) الذي أضاع دم صاحبه. لقد صبأ (الوليد) وآمن شعره.. وهذا تأويل رؤيايّ عنه..وسيظل الشعر هو الفضاء الشفيف الذي تأوي إليه أروحنا المتعبة، من ضجيج الحياة، والبوصلة المحركة للمشاعر والأخيلة والتصوير الفني والتعبيري، في أوعية لغوية ماتعة، من خلال ما ينسجه الشعراء من فرائد، تحرك العاطفة وتفتح الخيال الخصب، للإبحار في عوالم لا متناهية من رؤى إبداعية ونصوص جمالية، تأسر الألباب وتسحر الأفئدة.ويشار إلى أن الأديب المصري وليد علاء الدين شاعر وروائي وصحافي وفنان تشكيلي، يعمل بالصحافة الثقافية منذ (1996) وحالياً مستشاراً بمركز أبوظبي للغة العربية، دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، نشرت أعماله ورسوماته بعدة صحف ومجلات عربية، وله العديد من المشاركات الأدبية والثقافية والفنية، ونال الكثير من الجوائز المحلية والإقليمية، كما نظمت له عدة معارض فنية، وصدر له ما يزيد عن (15) مؤلفاً تنوعت ما بين الشعر، والرواية، والنقد، والمسرح، وأدب الرحالات، منها: تروادني لغتي إليّ، والعصفور، وخطوة باتساع الأزرق، والكتابة كمعادل للحياة، مولانا المقدم، وابن القبطية، وكيما، والغميضة.

أضف تعليق