على هامش إدراج الخط العربي على قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي

                 تقدمت ستة عشر دولة عربية، على رأسها مصر والسعودية في مارس عام 2020م بملف إلى المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة ” اليونسكو” التابعة للأمم المتحدة، بهدف إدراج الخط العربي ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي، وتم اختيار السعودية منسقاً عاماً للملف من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ” إليسكو “. والخط العربي كما هو معلوم  يُمثل رمزاً ثقافياً أساسياً في العالمين العربي والإسلامي، وقد وصفته اليونسكو التي أدرجته بالفعل في منتصف ديسمبر 2021م تقريباً، بأنه ” فن الكتابة بالعربية بطريقة سلسة تعبر عن التناسق والجمال “، فهل كان التقدم بهذا الملف خشية على الخط العربي من الحروف المحسبة أو من أمور أخرى؟ على أية حال فهذه خطوة لابأس بها، إلا أن ذكر الخط العربي يحتم علينا الحديث عن اللغة العربية، التي أراد القدر أن تُدرج هي أيضاً في نفس الشهر الذي أُدرج فيه الخط العربي، حيث يُحتفل بها يوم 18 ديسمبر من كل عام، فاللغة تُعد أهم مفردة من مفردات الهُوية، هذه الهُوية التي باتت غريبة لدي أبنائنا وشبابنا، ومظاهر هذا كثيرة سواء في تواصلهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي باستخدم الأحرف والأرقام اللاتينية للتعبير عن النطق العربي، أو في أحاديثهم المباشرة والهاتفية باستخدام ألفاظ أجنبية، فضلاً عن لافتات المحال التي أصبحت تُشعرنا بأننا في دول غير عربية، وللأسف أن هذه الظاهرة الفجة لم تعد قاصرة علي أصحاب المحال والمنشأت الخاصة، بل أن بعض مؤسسات الدولة صارت تنتهج هذا النهج الغريب، لذا فإن لغتنا في حاجة إلى إنعاش من جديد، وإزالة غربتها عن أبنائها، من أجل صناعة الوعي، وهذا يتطلب جهود مخلصة وإرادة حازمة وخطوات مرتبة مستندة على منهج قويم، حتى نطرح في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والأدبيات وغيرها لغةً مقبولةً غير مخلة، فلا حاجة لنا بالتقعير الذي لا يجد من يتواصل معه، وفي نفس الوقت لا نقبل الركاكة، وهذا يتطلب التخلي عن بعض المفردات والتراكيب والأساليب والصياغات الصعبة لبعض الوقت، لتحل محلها مفردات أسهل وأبسط – فلغتنا أغنى لغات العالم في جذورها ومفرداتها – شريطة أن يحكم عملية الإحلال هذه خط أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى لا نخل بالقدر الأساسي للغة العربية، وأكرر دعوتي لوسائل الإعلام  بأن يكون خطابهم محمول بهذه اللغة الوسط الغير مخلة، وعلى كل مجال أن يختار ما يناسبه من هذه اللغة الوسط، فلغة القصة تختلف عن لغة البرنامج الإذاعى وعن لغة المسرح، وعن الحكي للأطفال، وهكذا، إلى أن نصل لمستوى مقبول من استخدامنا للغة وتواصلنا عبرها، وفي هذا السياق علينا أن نعززها ونعلي من شأنها بعدة وسائل وإجراءات ومناهج، فمثلاً هل نجرؤ على وضع شرط الحصول على بعض الوظائف في بلادنا العربية أن يجتاز المتقدم للوظيفة مستوي معين من اللغة العربية مثل التويفل في الإنجليزية؟ ليكون ذلك من مصوغات التعيين كمهارات الحاسب وخلافه، على آلا يكون هذا شكلياً، فصحيح قامت بعض الجامعات بوضع شرط للتقدم للدراسات العليا أن يجتاز الطالب دورة في اللغة العربية، ولكن هذا يحتاج إلى التعميم والجدية، فإن تم هذا نستطيع أن نطرح سؤالاً هاماً وهو: هل سيتكلم العلم بالعربية مرة أخرى؟ كما كان من قبل حينها أخدت منه أوربا وأقامت عليه نهضتها، ليس هذا فحسب بل أنه عندما أرادت معرفة التراث اليوناني أخذته من علومنا العربية، ومن خلال هذا كله قامت  الثورة العلمية والتكنولوجية في العالم الحديث والمعاصر بأسره.    

أشرف خيري يوسف

    باحث في التاريخ والتراث

أضف تعليق