للأديب أ/وليد علاء الدين
بقلم د. حنان الشرنوبي.
العمل الأدبي كيان متكامل الجوانب لا يمكن فصل عناصره بعضها عن بعض؛ فالشكل والمضمون متداخلان فيه تداخلًا تاما بحيث يصعب الفصل بينهما.. ولقد بدأ الأديب بإهداء (عام) يدعو للتساؤل فكان؛ إلى وجه الإنسان.. وهل هناك غيره؟ ثم يصرح للقاريء بأنه فاز بخداعه فما بين يديك ماهي برواية إنما هي مسرحية مقنعة ومن
هنا كانت البداية.. بداية اللعبة بين السارد والمتلقي لإيجاد الوجه المراد كشفه؛ ولمزيد من إثارة ذهن المتلقي نجد إهداءً آخر (خاص) إلى توفيق الحكيم- الملقب بأبي المسرح العربي- مستعملًا الوصف الرمزي.. فيقول الحكيم عن المسرح “هو فن بذاته بصرف النظر عن الأفكار التي يتضمنها”.. وأغلب الظن أن هذا ما أراده الأديب خلف إهدائه وهو استعمال الرمز والتورية وما فيهما من غموض.. فعرّض لحمار (اليوم) بعدم تفكيره وتدبره وبما يحتاجه من إرشاد وتوعية.
ولهذا نشعر أننا أمام مسرح؛ إذ عادةً ما يكون مكثفًا بالإيحاء والرموز كما يقوم مقام الحركة والفعل (الحدث)،غير أن التورية وهي تقنية هذا النص إذ قامت علي الذكاء في استعمال اللغة؛ بداية من العنوان وما يحمله من تأويلات واحتمالات فيصرّح بأنها مسرحية خبأتها في جسد رواية ولم يقل أخفيتها لأنه أراد أن يؤكد أن ما يبحث عنه موجود ولكنه يختبئ و سنعثر عليه ولكن ليس متخفيا وإلا ما رأيناه أبدا.. فلقد واراه وستره خلف قناع الرواية مستعملًا كلمات دالّةعلي الاختباء (غطى وجهه)(ماكياچ) (نقاب) فيذكر كلمة المرأة (المبرقعة) ولم يقل المنتقبة لأنه لا يعني الالتزام او التدين وإنما هو حال المرأة في هذه الحقبة الزمنية مما يتناسب مع ثقافة العصر.
كذلك الحوار يتقنع بالفصحى تارة وبالعامية تارة أخرى كما تتقنع الشخصية.. ويبرر السارد ذلك بقوله ص٢١”اقنعة البشر في تعدد جنسياتهم و لهجاتهم فكل إنسان يرتدي قناع يعبّر عن هُويته كما في ملابس الفراعين والرومان واليونان.. والعسكر والفلاحين والبدو. رجال في جلاليب فلاحية، وأخرى صعيدية، وأخرى من أزياء الوجه البحري”.
وإذا نظرنا للعناوين الداخلية؛ فكأنها فزورة (جوز ولا فرد)، (حلم في حكاية وحكاية في حلم) وغيرها من العناوين التي لا تشي إلا بالغموض الذي يحمل في طياته الإجابة.
كما هو الحال مع بعض الشخوص (المزدوج) صاحب الوجهين /القناعيْن(أبو وشين) فيبرز في شخصيته الصوت المعدني المتسم بالبرود.
ثم رويدًا رويدًا يلجأ السارد إلى( تعرية التورية) بالكشف عما يستتر خلف النص ويتوارى فجعل الثعلب افضل حالًا من المحتال فالأول له وجه واحد على خلاف الثاني. وهذا ما يسمى في المسرح بطريقة الكشف وفيها لا يقدم السارد كل شيء؛ وإنما يترك عبء استنتاج صفات تلك الشخصية من أقوالها ومواقفها المختلفة في القصة.. وهناك طريقتان أساسيتان للكشف عن الشخصية على نحو غير مباشر. أ-التشخيص باستخدام الحوار :إذ يكشف الحوار عن شخصية صاحبه وطريقة تفكيره أو أسلوب تعامله مع الأشياء كما أنه يكسر رتابة السرد وينبّه القارئ لإصدار حكم صحيح على الشخصية مثال شخصية (عزة).
ب-التشخيص بتصوير الأفعال: وهذه الطريقة من أحدث الطرق؛ لأن القارئ يحكم على الشخصية من خلال العمل؛ فما تفعله الشخصية نجد فيه دلالات واضحة على نفسيتها وتركيبها العقلي والعاطفي. مثال (الشيخ مصعب /الشيخ وائل/الطفلة) ” انا مش عاوزة الحلم دة” ببراءتها اكتشفت أنه ليس حلمًا بل هو بكل المقاييس “كابوس” يختبئ وراء حلم. كذلك شخصية المخبول لحظة الحديث عن الحاضر والمستقبل.. ولقد كشف الحوارعن شخصية مَن يدّعي معرفة الله وحده ص٩٠ (أنتو مش لازم بس تلبسوا نقاب أنتو لازم تتخيط عيونكم، وودانكم، إيوة وودانكم؛ إهه) فقد أعطى لنفسه الحق بأن يجعل النساء والفتيات.. “صم؛ بكم؛ عمي” ظنًّا منه أنهن (لا يعقلون) دون أن يكشف عن غطاء عقله المعادي للمعرفة والعلم فهذا وأدٌ لهن أحياء.. فكلمة” جارية “ذُكرت صراحة ص٦٧ والمقصود أنها أسيرة لفلسفة دوجماطيقية تعصبية (Dogmatism) وصاحب هذه الفلسفة شخص غير عقلاني يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه على صواب تام خلاف الآخرين مدعيًّا أنه يستأثر بالحقيقة وحده.. ولا يملك الرغبة في الحوار متسمًّا بالجمود والتسلط وفرض أفكاره على الآخرين.. فينفي الآخر أي يعتبر من يخالفه على الباطل المطلق أو كفره؛ ومع هذا يحمل الآي باد الذي يصنعه العلمانيون وأهل الكفر في نظرهم. والواقع يظهر ص ٩٣ عندما يُذكر اسم السيدة عائشة والسيدة فاطمة الزهراء لحظة السخرية من أُمّ وأخت محاورِه مما يدل على جرأته وتطاوله ثم يعدّل من قناعه الديني حين يلزم قول “تلك حدود الله يا أخي” أين هي هذه الحدود حين يطالب بستر المرأة دون ستر ألفاظه الخادشة للحياء ص٥١ “والنسوان تمشي ملط في الشارع”.
ومن الملاخظ أيضا أن الراوي – أحيانا- يتخفى ويظهر فنشعر في أكثر من موضع أنه راوي (من الخلف) فيقول ص٢٣ “لم يخرج صوتها فتذكرتُ أنها داخل الحكاية “وأيضًا ص٣٩”يسمح لنا موقعنا أن نلاحظ قبل التئام الكيان بقليل كيف تسرّب المهرّجان له” ولكن المفارقة مؤكدة ص٩٩ إذ نكتشف أن الراوي يظهر في بعض المواضع( عليمًا) .. ففي البداية أوهمنا أن الراوي من الخلف يرى ما يظهر له فقط من أقنعة ولكن كيف لهذا النوع من الرواة أن يعلم أن الشيخ وائل أراد أن يضم عزة إلى صدره! . هذا التعمق في دواخل الشخصية يكشف لنا أن الرواي عليم .. وعلى هذا فإن سارد الغميضة استعمل وظيفة الراوي ( من الخلف أو عليم) حسب ارتداء الأقنعة ونزعها.
وتمثلت لعبة الغميضة في العنوان الرئيس والعناوين الداخلية كمسرحية في رواية.. وكل هذا التواري والتستر ما هو إلا نتيجة للخوف؛ فالاختباء يقابله الكشف والمواجهة وهذا ما فعله الكاتب حين اختار أن ينبني النص على مسرحية كشف في نهايتها مغزاه من اللعبة بأن يشارك القارئ في البحث عن الوجه الإنساني الضائع خلف أقنعة الواقع ؛ وهذا لن يكون مباشرًاإلا عبر المسرح حيث يكون (وشي في وشك).