إعداد دكتور عبد الله الثقافي البلنوري
فضيلة الشيخ أبوبكر أحمد، مفتي الديار الهندية، شخصية عظيمة مثالية، وعالمٌ فقيه وداعية كبير في الهند. وقد نال توفيقًا كبيرًا لإنتاج جيل جديد مهذّبٍ يعلم نبضات العصر؛ فهو المحرك الفعّال وراء الثورة العلمية والاجتماعية في ولاية كيرالا.
إنّه ولد بقرية كاندابورام في منطقة مليبار بولاية كيرالا – الهند في 22 من مايو 1939م، وتعلم العلوم على أيدي كبار العلماء البارزين والمشايخ العظام مثل العلامة الشيخ زين الدين علي حسن المخدومي، ثم التحق بجامعة الباقيات الصالحات بويلور ولاية تاملنادو؛ لاستكمال مسيرته العلمية والدراسات العليا، وتخرّج منها حاصلا على الشهادة للدعوة والإفتاء والتدريس في كل فن من فنون العلوم الاسلامية، وحصل على الإجازات في الأحاديث النبوية وسائر العلوم من كبار العلماء البارزين من داخل الهند وخارجها، مثل فضيلة الشيخ أبو الفيض محمد ياسين الفاداني المكي – رحمه الله تعالى، خادم العلم بدار العلوم بمكة المكرمة، المتوفّى 5 من محرم الحرام سنة 1411 هـ ومثل فضيلة الشيخ أحمد مشهور بن طه بن علي الحداد وغيرهما.
ولقد ذاع صيت الشيخ أبوبكر لقد داخل الهند وخارجها بالكتابة والخطابة، كما اشتهر بخدماته الجليلة في مجال الدعوة والإرشاد والدفاع عن الإسلام والمسلمين وبناء المساجد والمؤسسات الخيرية لإنقاذ الأمة الإسلامية وأجيالها من ظلمات الجهل والضلالة؛ فجدير بالقول أن فضيلته قام بنشاطات علمية في الولايات الهندية، على وجه الخصوص في ولاية كيرالا، ولا يختلف اثنان أن هذه النشاطات غيّرت وجه ولاية كيرالا، وفي مقدمة هذه النشاطات أنه لا يزال يقوم بتدريس صحيح البخاري أكثر من خمسين سنة.
محاضرة صحيح البخاري لفضيلة الشيخ ابوبكر احمد ليست عبارة عن قراءة الحديث ولكنها حديقة علمية تظهر فيها أزهارا متنوعة من الحلول لشبهات الملاحدة والمبتدعة وبيان المذاهب الفقهية وحكمة تكرار الحديث والجمع بين الأحاديث الموهمة للتعارض وإثبات عقيدة أهل السنة والجماعة، بالإضافة إلى الإجابات المقنعة عن استفسارات المشاركين من الطلبة عقيدة وفقها وتصوفا ونحوا وصرفا وبلاغة وإعجازا وما إلى ذلك …. قلما نجد مثل هذه المحاضرة في العصر الراهن عددا وحضورا من جميع الولايات الهندية، وربما يشارك فيها الضيوف والعلماء الكبار من البلاد المختلفة. وتجدر بالإشارة أن هذه المحاضرة تجري صباح كل يوم بصفة مستمرة رغم أن حياة فضيلة الشيخ مكتظة بنشاطات متنوعة.
وتلبية لرغبة العلماء والدارسين والباحثين، قام فضيلته بتأليف شرح مبسوط لصحيح البخاري في مجلّدات ضخمة، يحتوي على مزايا كثيرة، ويتناول المشكلات العصرية. وعن قريب سيصدر – إن شاء الله تعالى
وفي كل سنة تعقد جامعة مركز الثقافة السنية حفلة ختم البخاري بمشاركة آلاف من العلماء والشخصيات المهمة من دول مختلفة، وتجري حفلة ختم البخاري في العام الجاري في ٣ من فبراير ٢٠٢٤م في رحاب الجامعة.
وحفلة ختم البخاري ليست وليدة اليوم ولكنها عادة وسنة للعلماء القدامى حيث جرت العادة الحميدة أن يعقد الشيوخ والمحدثون مجالس ختمية، عند الانتهاء من سرد الصحيح أو تدريسه وإقرائه وشرحه، بحيث يكون موضوع المجلس شرح آخر حديث من أحاديث الصحيح، ومن أشهر أصحاب مجالس الإملاء عند القدماء نذكر الحافظ ابن حجر الذي أملى أكثر من ألف مجلس، وقبله شيخه الحافظ العراقي ت 762 هـ الذي أملى أكثر من 4000 مجلس، وزين الدين بن عبد الرحيم الحسني العراقي المصري وبعده ولي الدين أبو الفضل أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 828 هـ الذي أملى أكثر من ستمائة مجلس ، والحافظ السيوطي أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 911 هـ الذي عقد أكثر من مائة مجلس ثم الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمان السخاوي ت 902 هـ الذي بلغت مجالسه أكثر من ستمائة مجلس كما ذكر هو نفسه والحافظ ابن الصلاح الذي سار على سننن شيوخه في ذلك.
وقد جمعت أمالي المحدثين في كتب عرفت بكتب الأمالي والاملاء إذ كان من وظائف العلماء قديما خصوصا الحفاظ أهل الحديث، في يوم من أيام الأسبوع يوم الثلاثاء أو يوم الجمعة، وهو المستحب أن يكون في المسجد لشرفهما، وطريقهم فيه أن يكتب المستملى في أول القائمة هذا مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا، يذكر التاريخ ثم يورد المملي بأسانيده أحاديث وآثارا، ثم يفسر غريبها ويورد من الفوائد المتعلقة بها بإسناد أو بدونه ما يختاره ويتيسر له، وقد كان هذا في الصدر الأول فاشيا كثيرا، ثم مات الحفاظ وقل الإملاء، وقد شرع الحافظ السيوطي في الإملاء بمصر سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وجدده بعد انقطاعه عشرين سنة.
وأول ما نعرف من الختمات ما جاء في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني أنه ختم البخاري واحتفل بذلك فيكون أقدم من نعلم – إلى الآن – ممن ختم البخاري هو الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 752 هـ ولا نعرف أن ختمته هذه دونت وكتبت. غير أن أول ختمة مدونة ومطبوعة نعرفها وتوجد بين أيدينا، هي ختمة الإمام القسطلاني شارح البخاري والمسماة تحفة السامع والقارئ بختم صحيح البخاري كما نجد في ترجمة الحافظ أبي الخير السخاوي أن له عدة ختمات إحداهما في صحيح البخاري سماها عمدة القارئ والسامع في ختم الصحيح الجامع وله غيرها حول صحيح مسلم والشفا للقاضي عياض، نضيف الي هذه القائمة حفلة فضيلة الشيخ أبي بكر أحمدمفتي الهند .
ولمزية هذا الصحيح العظيمة وشهرته بين الخاصة والعامة يعتبر غالبية أهل السنة في العالم أن كتاب «صحيح البخاري»، هو أدق كتاب بعد القران، وقد أطلق الناس علي البخاري اسم أمير المؤمنين في الحديث، وقد بدأ البخاري في وضع مؤلفه وهو في عمر ستة عشر عاما على قول المؤرخين واستغرق تأليفه 22 عاما كاملة وفاق صحيح البخاري على جميع شروحه لعدة مزاياه، ومنها تعتبر صحيح البخاري من أهم المصادر الشرعية للإسلام والمسلمين، حيث يشمل على الأحاديث التي يعتبرها كثيرون من أشهر الأحاديث النبوية الصحيحة، ويحتوي صحيح البخاري على أحاديث نبوية صحيحة تشرح وتفسر كثيرًا من الأمور الدينية التي تهم المسلمين مثل الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج، الجهاد، وغيرها، ويعتبر أيضًا من المراجع الموثوقة في الدراسات الإسلامية والتاريخية، ويعتمد عليه العلماء والباحثون في الدراسات والأبحاث المتعلقة بالإسلام، ويحتوي على أحاديث نبوية قد حفظت بواسطة سلسلة من النقل الشفوي، مما يجعلها موثوقة ومحفوظة من الخلط والتغيير.
ويمثل صحيح البخاري قدوة مثالية للسلوك الإسلامي، حيث يحتوي على مجموعة من الأحاديث النبوية التي تدعو للتسامح والعدل والرحمة، وتساعد على فهم الدين الإسلامي بشكل أفضل وأكثر صحة، ويمكن استخدامه كمرجع لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفهم الحديث النبوي.
انطلاقًا من هذه الخصائص والمزايا، يقوم فضيلة الشيخ أبوبكر أحمد بجهود جبارة في خدمة صحيح البخاري لدرجة أن فضيلته أبدى رغبته قائلا إن الله إذا وفق لي بدخول الجنة وسألني عما أشتهيه أجيب عنه بأني شديد الرغبة في تدريس صحيح البخاري، ورغم أنه مشغول جدا بالعمليات المختلفة ليل نهار لكن محاضرته لصحيح البخاري تجري بشكل مستمر ومتواصل…. بإذن الله تعالى رب العالمين ..